فصل: كيف تقرأ القرآن؟ وكيف تفهم القرآن؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهجية في قراءة كتب العلم (نسخة منقحة)



.كيف تقرأ القرآن؟ وكيف تفهم القرآن؟

لأَنَّ لابد أن نبدأ بأصل الأصول القرآن محفوظ بين الدفتين، كذلك لا تتعب في مسألة ثبوته كالسنة، ولا في جمع طرقه، ولا غير ذلك، تقرأ القرآن على الوجه المأمور به، وهذا يكون بعد الحفظ إن تيسر لأن الحفظ ما يتيسر لكل الناس مع أن الله جل وعلا قد يسر القرآن {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] القرآن ميسر ولله الحمد، فيكون هذا بعد الحفظ تنظر في المصحف وتقرأ فيه على الطريقة المأمور بها بالتدبر والترتيل، وأنت تنظر في كلماته، ما يُشْكِل عليك من هذه الكلمات تندونه في كُرَّاس، وهذا يسميه أهل العلم: غريب القرآن.
ومن أفضل ما كتب في غريب القرآن: كتاب صغير اسمه (نزهة القلوب) لابن عُزيز السِجستاني كتاب مختصر جدًّا في غريب القرآن، أثنى عليه أهل العلم كثيرًا من المتقدمين ومن المتأخرين.
ويكون بيد طالب العلم المبتدأ بعض التفاسير الموثقة المختصرة جدًّا؛ لَأَنَّ كثرة التفاريع تُذْهِب عليه وقته لأنه لا يستوعب.
ومن أنفع ما يرجع إليه طالب العلم المبتدأ في فهم ألفاظ القرآن:
لأن الألفاظ لابد أن تفهم، والمعاني أيضًا لابد أن تفهم في فهم القرآن في فهم ألفاظه يكون بيد طالب العلم (توفيق الرحمن لدروس القرآن) للشيخ فيصل المبارك هذا التفسير على اختصاره-مختصر جدًّا- مختصر من ابن جرير والبغوي وابن كثير، وهو على منهج السلف.. مختصر جدًّا، وجعل القرآن ثلاثمائة وخمسين درس بقدر أيام السنة، وأيضًا يستفاد في فهم معاني القرآن من تفسير الشيخ ابن سعدي رحمه الله- ورحم الله الجميع- هذه التفاسير المختصرة تجعل طالب العلم لا يتشتت فيرجع إلى غريب القرآن إلى كتاب السجستاني، ويرجع أيضًا إلى تفسير الشيخ فيصل بن مبارك، ويرجع أيضًا إلى تفسير ابن سعدي في هذه المرحلة، ومع ذلك استفيد من كتب علوم القرآن، وكتب علوم القرآن التي أُلفت على طريقة المتون تفيد طالب العلم في مرحلته الأولى منها رسالة للسيوطي جيدة في هذا الباب، وكذلك منظومة الزمزمي هي نظم لهذه الرسالة، والرسالة مأخوذة مستنة من كتاب للسيوطي اسمه (النُقاية)، وهذه الكتب موجودة ومتداولة ومشروحة- لها شروح مسجلة ومطبوعة أيضًا، فيفاد منها- ومع ذلك يحتاج إلى فهم المُشكِل من معاني القرآن، ولابن قتيبة كتاب اسمه تأويل الْمُشْكِل، لكن أن عندي مُشْكِل القرآن يؤجل إلى المرحلة الثانية يكفي أن نفهم ونُعنى بألفاظ القرآن بحيث لا يُشكِل علينا معنى لفظ، وأما الْمُشْكِل، والاستنباط من القرآن، واستخرج درر القرآن، وعجائب القرآن هذه مرحلة لاحقة تلي هذه المرحلة.
فإذا أكمل القرآن على هذه الطريقة:
حفظ القرآن، ونظر في ألفاظه، ورجع فيما يُشْكِل عليه إلى كتب غريب القرآن، وهذه التفسير المختصرة.
إذا أنهى القرآن على هذه الطريقة لاشك أنه يخرج بفائدة عظيمة، وقد يطلب العلم سنينن عديدة ثم تسأله عن لفظة غريبة في القرآن فلا يجد جواب لكن إذا عُنِي به من أول الأمر سَهُلَ عليه.
بعد هذا إذا تعدى هذه المرحلة يُعْنَى بتفسير الحافظ ابن كثير، ويكون مع ذلك نظر في العلوم الأخرى على ما سيأتي.
كثيرٌ من النَّاس يقول قراءة تفسير ابن كثير لما انتهيت ما عندي شيء نقول إذا كانت الحافظة لا تُسْعِفُك فاختصر التفسير، بنفسك تفسير ابن كثير له مختصرات موجودة، ومتداولة ومتعددة نقول يا أخي لا تعتمد، ولا تعول على المختصرات لأن العلم إنما يثبت بالمعاناة؛ فاختصر تفسير ابن كثير لأنك الآن عندك شيء من الأهلية عندك أرضية كما يقولون؛ فإذا اختصرت تفسير ابن كثير، وعرضته على من تثق بعلمه، وسدد لك هذا المختصر بعد الرجوع إلى أصله لاشك أنك إذا انتهيت عندك رصيد كبير مما ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله من الأحاديث والآثار والتوجيهات من الأقوال والاستنباط والفقه.
إذا ارتفعت درجةً، وأردت أن تنظر وتجمع بين التفسير بالأثر الذي عليه الْمُعَوَل، والتفسير بالرأي، كتب التفسير التي تُعْنَى بالصناعة اللفظية؛ فتجمع بين تفسير البغوي بعد ابن كثير أو الطبري مع تفسير أبي السعود لعنايته بالمباحث البلاغية، وتفسير أبي حيان لعنايته النحوية والصرفية وغيرهم من التفسير.
قد يقول: قائل العمر لا يستوعب إذا كان هذا فن واحد ونحتاج إلى هذه الكتب.
نقول: نعم تحتاج إلى هذه الكتب، وبعض طلاب العلم قد تتقدم به السن، ويَتَسَنَّم المناصب ويسود على غيره ويتصدر لتعليم وإرشاد الناس ووعظهم وتوجيههم ولو تسأله:
هل قرأت تفسير كامل؟
- يقول لك: ما قرأت تفسيرًا كاملًا.
فإذا اختصر تفسير ابن كثير وانتهى منه، ثم ارتقى إلى تفسير البغوي والطبري ثم نظر في كتب التفاسير الأخرى المتنوعة في الفنون ممن يُعْنَى بالعلوم الأخرى المعينة على فهم القرآن كفروع علوم اللغة من نحو وصرف ومعان وبيان وبديع، وإعجاز وغير ذلك.
وأيضًا ينظر في كتب أحكام القرآن؛ كتب أحكام القرآن موجودة، ومع الأسف أنها موجودة على المذاهب عدا المذهب الحنبلي المتداول بين الناس، فتجد (أحكام القرآن) لابن العربي على مذهب مالك، إلكيا الطبري الرازي على المذهب الشافعي، (الجصاص) على مذهب أبي حنيفة، لا مانع أن يتخذ طالب العلم آلية تعينه على فهم هذه الكتب، فينظر في آيات الأحكام ويراجع لها هذه الكتب، ويثبت المذاهب الثلاثة من هذه الكتب، ثم بعد ذلك يأتي بالمذهب الحنبلي من كتب الفقه الحنبلي فيسدد هذا النقص، وإذا انتهى من هذه الكتب الثلاثة؛ ما هي مسألة سواليف أو مسألة استرخاء، يقول: والله أنا عندي راحات وجيات وأسفار ورحلات ويقرأ هذه الكتب!! ما يمكن!! لا بد أن يقتطع من عمره سنين حتى يثبت العلم في قلبه، وإلا لو كان العلم بهذه السهولة لكان كل الناس علماء، لأنا نرى رفعة العلماء في الدنيا فضلًا عن الآخرة، لكان كل الناس علماء، وفي أسواق المسلمين من يفوق في الفهم والحفظ والذكاء كثيرٌ من المنتسبين إلى العلم، كان هؤلاء علماء، لكن دون تحصيله هذا التَعَب الشديد، فنحتاج إلى أَنْ نعتكف لقراءة هذه الكتب، فإذا نظرنا بهذه الكتب على هذه الطريقة، وجمعنا بين أقوال أهل العلم؛ مذهب أبي حنيفة نأخذه من الجصاص، مذهب مالك نأخذه من ابن العربي، مذهب الشافعي نأخذه من إلكيا الطبري، ومذهب الحنبلي نأخذه من المغني، ما الذي يمنع؟! نراجع هذه المسائل في المغني ونضيف حقل رابع للمذهب الحنبلي.
فإذا انتهيت من هذه الكتب، قد يقول قائل:هذه المراجع تحتاج إلى سنة!
نقول: وما لنا نستعجل! إننا نمضي عشرات السنين ما صنعنا شيئًا!
فبعد ذلك إذا تأهل فينظر في الكتب التي فيها فائدة وفيها شَوْبُ بدعة؛ لأنها فيها فوائد، لكن مع ذلك يمنع من النظر فيها في المرحلة الأولى والثانية والثالثة وجود هذه البدع.
فعندك مثلًا تفسير الزمخشري فيه من الفوائد اللغوية والبلاغية والبيانية قد لا يوجد في غيره مثله، ونعرف أنه معتزلي وشبهه استخرجها أهل العلم بالمناقيش، ومع ذلك لا تنظر فيه مجردًا، انظر فيه مع حواشيه، والأمنية قائمة في أن يتصدى أهل السنة وأهل الخبرة- أهل الاختصاص في العقيدة وأهل الذهن الحاضر الوَقَّاد- لهذه الكتب فيعلِّق على ما فيها من مخالفات؛ لأننا قد نجد من يُعَلِّق على الزمخشري ويبين اعتزالياته، لكن هو متلبس ببدعة أخرى؛ فَكَوْن هذه الكتب لا ينظر فيها من قِبَل أهل السنة، وقد يدور ذكرها على بعض الألسنة، ونجد مثلًا في تفسير ابن كثير نُقُول عن الزمخشري، نُقُول عن الرازي؛ فطالب العلم إذا قرأ في هذه النقول استهواه ما نقل الحافظ ابن كثير عن هذه الكتب إلى الرجوع إلى هذه الكتب، لكن لا يمكن أن يجرؤ طالب علم إلى القراءة في مثل تفسير الرازي؛ لأنه خطر على طالب العلم، ولذا المرجو والمطلوب من أهل التحقيق من أهل العلم الذين عندهم خبرة ومعرفة بهذا الأمور أن يعلقوا على هذه الكتب فيستفاد منها ويُتَقَى شَرها.
إذا انتهينا من هذه الطريقة قرائنا كتب التفسير بهذه الطريقة نخرج بفائدة عظيمة هذه كتب مطولة قد يقول طالب أن لا تستطيع أن استوعب هذه المطولات، وهذه الطريقة تصلح لكتب التفسير، وكتب الحديث، وغيرها من الكتب يكون معك أقلام؛ أربعة أو خمسة بألوان وأنت تنظر في تفسير القرطبي مثلًا، وهو أطول تفسير في أحكام القرآن، وفيه من الفوائد شيء كثير لكنه على مذهب الأشاعرة، وأيضًا فيه من الأحاديث الضعيفة والواهية والموضوعة شيء كبير لأنه ليس من أهل الصناعة.
تقرأ في تفسير القرطبي مثلًا وعندك الأقلام الملونة، والمسألة مسألة جرد قراءة، لأن الكتاب من عشرين مجلد إذا أردت أن تقف عند كل مسألة ما تنتهي، تأخذ القلم الأحمر وتقول: (قف) عند مبحث تريد حفظه؛ لأن بعض المباحث يمر عليك في هذا التفسير وفي غيره لابد أن تحفظه، هذا لا يمكن يمر ثانيا، هذا تستفيد منه في كل العلوم، ينير لك طريقتك.
يعني: بعض التوجيهات في بعض الكتب هذه يفتح الله عز وجل بها عند هذا المؤلف بحيث لا توجد عند غيره، فمثل هذه تكتب قف بقلم أحمر وفي طرة الكتاب تقول اللون الأحمر مثلًا صفحة كذا يأتيك مسألة صَعُبَت عليك، وتريد أن ترجعها لتفهماها الأخضر قف، تذكر الألوان الأخضر (قف) وتذكر الاصطلاح في طرة الكتاب: الأحمر لما يراد حفظه، والأخضر لما يراد مراجعته..تحتاج تراجع من أجل أن تفهم، إذا ما فهمت بنفسك راجع أهل العلم يحل لك هذا الإشكال وجدت مقطع لأعجبك أسلوبه وتريد أن تستفيد منه في إنشائك وفي إلقائك وفي تعليمك فأتي بالقلم الأسود وقل قف لتعود إليه مرة أخرى وتنقله في مذكرتك.
وهكذا بهذه الطريقة في سائر الكتب المطولة يستفيد طالب العلم، لأن هذه المطولات لا يمكن تعامل معاملات متون؛ فتفهم كل شيء فيها ما يمكن لأن أهل العلم لما صنفوا المصنفات، وجعلوا منها المختصرات لتحفظ، وجعلوا منها المطولات لتفهم ويستفاد منها، ويستعان بها على فهم هذه المختصرات.
فالكتب عند أهل العلم على أنواع منها:
المتون.... الشروح.
الحواشي.... النكت.
بعض الطلاب يسمع النكت على كتاب كذا يظنه الأخبار الطريفة المضحكة! ليس الأمر كذلك؛ بل هي المسائل المشكلة هي المسائل المشكلة يعني ليست حاشية تتعرض لكل شيء وإنما هي في مسائل دون مسائل هذه المطولات تقرأ بهذه الطريقة انتهينا من التفسير نأتي إلى الحديث.

.الحديث:

يُبْدَأ فيه بـ (الأربعين النووية) لأن ابن عباس يقول: (الرَّبَانِي هُوَ الْذِي يَبْدَأُ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ) فتبدأ من العتبة الأولى لهذا السُّلم الذي ترتقيه لنيل هذه المطالب تبدأ بالأربعين النووية وهي أحاديث جوامع من كلام النبي- صلى الله عليه وسلم- فتحفظ الأربعين وترجع عليها الشروح الموثقة من قِبَلِ أهل العلم المختصرة أيضًا.
ثم تقرأ في (العمدة) وفي العَرْضَةِ الأولى تقرأ كتابًا ميسرًا على العمدة لأن العمدة عرف فيها أو في شرحها كثير فتقرأ عليها شرح مبسط يعني في بداية الأمر لو قرأ الإنسان شرح الشيخ عبد الله بن بسام (تيسير العلام) ينفعه ويستفيد منه وسهل جدًّا كتاب شبه مدرسي.
ثم بعد ذلك هل يقرأ على العمدة شرح ابن دقيق العيد؟
- نقول: لا؛ يؤجل شرح ابن دقيق العيد إلى أن يقرأ كتب أخرى؛ لأن شرح ابن دقيق في غاية الصعوبة ومن استطاع أن يتعامل مع شرح ابن دقيق العيد ويخرج منه بحيث لا يَشْكل عليه شيء فهو تعلم السِّبَاحة، فليقرأ أي كتاب من شروح السنة، بعد هذا يحفظ البلوغ ويقرأ في شروحه ويجمع بين سبل السلام وتوضيح الأحكام للشيخ عبد الله بن بسام إذا جمع بينهما استفاد فائدة عظيمة لأن شرح الصنعاني شرح متين يمكن أن يربى عليه طالب علم بخلاف الشروح التي أشبه بالمذكرات التي لا يستشكل منها شيء، هذه لا يربى عليها طالب علم لكن يمكن أن ينتفع منها، وفيها فوائد وفيها ما يعين طالب العلم؛ فإذا قرأ (بلوغ المرام) لأنه مختوم، وقرأ معه في الوقت نفسه (المحرر) لابن عبد الهادي وقارن بين الكتابين ونظر في زوائد هذا وزوائد هذا واستخرج الزوائد على الكتابين ونظر في أحكام ابن حجر وابن عبد الهادي، وقارن بينهما وبحث ليصل إلى القول الصائب من هذه القولين مع مراجعته للشروح بعد ذلك يتأهل للكتب المسندة الكبرى.
يقرأ في البخاري، في مسلم في باقية الكتب الستة، ويراجع على كل كتاب منها شرح، وإن أراد أن تكون قراءة للشروح سردًا وجردًا؛ لأن الفائدة من قراءة المطولات مثل شروح البخاري تُوَلد عند طالب العلم ملكة يستطيع بواسطتها أن يتعامل مع الأحاديث، وليس كل الأحاديث مشروحة إذا سمعت حديث مباشرة ترجع إلى شرحه فتجد كلام أهل العلم، لا.. أنت في يوم من الأيام ستقف على حديث لم يشرح وإذا نظرة في الشروح وجردت على كتاب شرح أو أكثر من شرح فإنك حينئذ تتولد لديك هذه الملكة، وَيُفْتَح عليك بعض الأمور التي لا توجد في هذه الكتب وهذا مجرب، ولكن قد يقول قائل إذا بدأت بالبخاري كيف أقرأ فتح الباري؟ وكم يحتاج فتح الباري من هذه المدة لكي أنتهي منه؟
نقول: يا أخي فتح الباري لا شك أن فيه صعوبة مثل لحم الجمل بالنسبة للصبي فيه وعُوَرة بالنسبة لطالب العلم نقول أقرأ قبله- كما يقول العلماء القوامص والجوارش مشهيات- أقرأ الكرماني مثلًا الكرماني فيه طرائف وفيه لطائف يستفيد طالب العلم حقيقة من بدأ بهذا الكتاب لا يتمالك أن يتركه حتى ينهيه، ويقرأه بالطريقة التي ذكرنها عندما يقرأ تفسير القرطبي بالأقلام الأربعة بالطريقة السابقة فإذا قرأ الكرماني انفتحت نفسه وتعود على القراءة لأن طالب العلم أول ما يبدأ بالقراءة، فالقراءة لا شك تحتاج إلى معاناة تحتاج إلى صبر، تحتاج إلى حبس نفس؛ فإذا قرأ يقرأ في أول الأمر في اليوم ساعة، ثم بعد ذلك من الغد النفس تجره وتسحبه إلى القراءة لا سيما إذا بدأ بمثل هذا الكتاب؛ فإذا قرأ الْكِرمَاني فيه الطرائف فيه الغرائب، وفيه العجائب بالنسبة للرواة، وفيها استنباطات فيها أفيد وعليه ملاحظات وأوهام. الذي يستشكله يضع عليه من الخطوط ما قدمناه سابقًا ويرجع عليه ماذا قال ابن حجر هل وافق الكرماني أو ما وافق، ثم بعد الكرماني يقرأ في شرح النووي على مسلم، وأيضًا من المشهيات، وفيه ما في شرح الكرماني، وإن كان الكرماني قد يذكر في ترجمة راوي ويطيل فيها بخلاف غيره من الشروح يذكر في ترجمة هذا الراوي أطرف ما ذكر في ترجمته وما يستغرب من ترجمة هذا الراوي سواء كان في علمه، في عبادته، في زهده، في أخباره العجيبة التي ذكرت عنه؛ فالكرماني والنووي لا شك أنهما ييسران القراءة على طالب العلم بعد ذلك إذا قراء في هذين الكتابين لا مانع أن يقرأ في فتح الباري ويجد النفس قد انفتحت لقراءته.
فتح الباري إذا خصص له وقت يحتاج إلى سنيين بالطريقة السابقة بالأقلام.
وَأَيْش المانع أَنْ تفهم البخاري ويرسخ في ذهنك صحيح البخاري بمعانيه، ولا يشكل عليك شيء سنتين!!
يعني: تتكاسل عن البخاري بسنتين؛ لأن بعض الطلاب يستعجل الفائدة.
ثم بعد ذلك تنبيه:
أريد أن أنبه إليه الإخوة أنه لابد أن يكون شيء على حساب شيء فإذا استرسل الإنسان وراء الشروح التي تحتاج إلى مدد متطاولة لاشك أنها ستكون على حِسَاب المتون، وقد يغفل الطالب إذا بدأ بالشروح على هذه الطريقة عن أهم المهمات: عن القرآن مراجعة القرآن وتلاوة القرآن فنقول لابد أن يقتطع للقرآن جزء يفرضه من وقته من سنام وقته لا من فضوله جالس في انتظار ولا عند إشارة، ولا في مستوصف ولا شيء يفتح المصحف لا إنما يفرض للقرآن إن استطاع أن يقوم قبل صلاة الفجر ويقرأ حزبه من القرآن هذا أفضل بلا شك وأحضر لقلبه، وإن كان لا يستطيع فبعد صلاة الصبح إلى انتشار الشمس ينتهي من حزبه؛ لأنه في خضم هذا الكم الهائل من المقروءات، وما يخطط له طالب العلم من الإطلاع عليه قد يغفل عن القرآن.
نعم، الأوقات المفضولة أوقات الاستجمام لا مانع أن يقرأ طالب العلم في كتاب تاريخ مثلًا للاستجمام وللاعتبار لأن كتب التاريخ فيها العبرة، وكذلك ينظر في كتب الأدب فيها متعة، وقد يحتاج إليها طالب العلم، ومر بنا في علوم القرآن وعلوم السنة ما كان مفتاحه في كتب الأدب ولولا أن الوقت لا يستوعب لذكرت أمثلة.
الحديث الذي نتحدث عنه عبارة عن متون وأسانيد وفقه واستنباط من هذه المتون، فالأسانيد وسيلة لإثبات هذه المتون، والغاية العظمى هو الاستنباط الذي على ضوئه يكون العمل، فإذا قرأنا في هذه الشروح ورأينا كيف استنبط أهل العلم من هذه الأحاديث، الأذهان تتفتق ويكون لديها الاستعداد للاستنباط والمزيد منه؛ لأن طالب العلم ليس مثل الآلة، هذه الآلات لا تزيد ولا تنقص، خَزِّن فيها تجد، لا أكثر ولا أقل، لكن طالب العلم وهبه الله جل وعلا هذا العقل الذي به يستطيع النظر والموازنة، فينظر فيما قاله، يرجع إذا قلنا يقرأ بعد ذلك في (فتح الباري) ويجد صاحب الفتح ينتقد الكرماني، يُدَوِّن هذا النقد على شرح الكرماني الذي سبق أن قرأه.
ثم بعد ذلك نريد إلى أن ننبه إلى أن كل شرح من الشروح له مزيته وله خصيصته.
فشرح الخطابي الذي هو أقدم الشروح واسمه (أعلام الحديث) أو (أعلام السنن)، لا شك أن مؤلِفَه إمام، وفَتَح مجالًا لغيره واعتمدوا عليه، لكن فيه قصور وعواز شديد.
شرح الكرماني فيه مثل ذلك من القصور ما يُسدَّد من الكتب التي جاءت بعده، لكنه قلنا إنه يفتح الشهية، وفيه فوائد ولطائف وطرائف، وفيه أوهام.
إذا قرأ في (شرح النووي) ثم (فتح الباري) استفاد فائدة عظمى، ثم بعد ذلك هناك كتب لا يُستغنى عنها، فإذا كانت خصيصة (فتح الباري) تَكْمُنُ في إحاطة الحافظ ابن حجر في الأحاديث التي يشرحها بجميع أطرافها، فإن لغيره من المزايا ما يوجد فيه.
شرح الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: شرح فيه نَفَسُ السَّلف، شرح معتمِد اعتمادًا كلي على أقوال السلف، وهو أيضًا مجرد من أقوال الخلف وتعقيداتهم.
العَيْنِي: يفيد طالب العلم في الناحية اللغوية والناحية الفقهية؛ لأنه يُطِيل أيما إطالة في المسائل اللغوية، وهو يطيل أيضًا في الفقه والاستنباط، إلا أنه فقيه حَنَفِي، قد يكون مدلول الحديث على خلاف ما يريد وخلاف ما يُقَرِر، فعلى هذا يُستفاد منه أصل المسألة، وأما تقرير الحُكْم، فالحَكَم هو النص.
شرح القسطلاني المسمى (إرشاد الساري) شرح لا يستغنى عنه، لا يستغني عنه طالب علم، لا سيما الذي يريد أن يفهم البخاري، لأن البخاري مروي بروايات متعددة، روى البخاري عن صاحبه، الصحيح رواه عن مؤلفه ما يقرب من مائة ألف راوٍ، والبخاري كغيره من كتب المتقدمين في كل رواية يزيد المؤلف وينقص ويُغَيِّر، فـ: (إرشاد الساري) ميزته في بيان هذه الروايات، الحافظ ابن حجر اعتمد على رواية أبي ذر وأشار إلى ما عداها، (إرشاد الساري) لا، أشار إلى جميع ما وقف عليه من الروايات، وهذه ميزة له، هو مفيد من هذه الحَيْثِيَّة على اختصاره، وهو في الجملة كأنه زُبْدَة لـ: (فتح الباري) و(عمدة القاري)، فيُستفاد منه.
ويستفاد لمعرفة ثبوت الخبر من كتب علوم الحديث:
وعلوم الحديث مشتملة على أنواع، كل نوع يستفاد منه فيما يخصه، فمنها ما يتعلق بالأسانيد ومنها ما يتعلق بالمتون، منها ما يتعلق بالظاهر ومنها ما يتعلق بالباطن كالعلل، فيستفاد من كتب علوم الحديث، وكتب العلل في إثبات الأخبار وعدم إثباتها.